السؤال:
جاء في إحدى فتاويكم التي هي برقم (44021) أنّ عرض الأعمال على ثلاثة أنواع
:
1-عرض يومي .
2-عرض أسبوعي .
3-عرض سنوي (الذي هو بشعبان) .
عندي إشكال ، ألا وهو : إذا كان هناك عرض يومي على مدار السنّة ، فلا حاجة
إذن إلى الأسبوعي الذي يحوي اليومي ، ولا حاجة كذلك إلى العرض السنوي الذي
يحويهما جميعًا ، فهل هذا صحيح ؟
الجواب :
الحمد لله
أولا :
رفع الأعمال وعرضها على الله تعالى يوميا وأسبوعيا وسنويا دلت عليه السنة الصحيحة
وكلام أهل العلم ؛ كما تقدم بيانه في جواب السؤال رقم : (
44021)
.
وإذا كان ذلك كذلك فلا يجوز
لأحد أن يقترح على الله ، أو أن يرى في شرعه ما يخالف الحكمة ، فيحصل له تشويش
وارتياب ، وإنما الواجب أن يقول كما قال المؤمنون قبله : سمعنا وأطعنا . وإنما الذي
ينسب إليه الجهل ، وقلة الفهم ، وغياب الحكمة : هو نفس العبد ، وفهمه وعقله .
وقد كان مساق السؤال أن يقال أيضا : فما الحاجة إلى العرض من أصله ، ما دام الله
تعالى قد علم أعمال العباد جميعها ؟! وما الحاجة إلى أن تكتب الملائكة أعمال العباد
، ما دام الله قد كتب كل ما هو كائن إلى يوم القيامة ، قبل خلق السموات والأرض ؟!
والأسئلة التي ترد على هذا المساق كثيرة جدا ، بحيث يصعب على العبد أن يغلق على
نفسه باب الوساوس ، متى فتحها .
لكن إن كان السؤال عن الحكمة من عرض الأعمال على الله تعالى ، كل يوم ، ثم كل أسبوع
، ثم كل سنة ، على ما ثبت في السنة : فهذا يقال فيه : الله أعلم بحكمته في ذلك ،
فهو لم يبينها لنا ، ولم يبينها لنا رسوله صلى الله عليه وسلم .
جاء في "العقيدة الطحاوية، وشرحها" (1/231) :
" قَوْلُهُ: ( وَلَا تَثْبُتُ قَدَمُ الْإِسْلَامِ إِلَّا عَلَى ظَهْرِ
التَّسْلِيمِ وَالْاسْتِسْلَامِ ) .
ش: هَذَا مِنْ بَابِ الْاسْتِعَارَةِ ، إِذِ الْقَدَمُ الْحِسِّيُّ لَا تَثْبُتُ
إِلَّا عَلَى ظَهْرِ شَيْءٍ ، أَيْ لَا يَثْبُتُ إِسْلَامُ مَنْ لَمْ يُسَلِّمْ
لِنُصُوصِ الْوَحْيَيْنِ ، وَيَنْقَادُ إِلَيْهَا ، وَلَا يَعْتَرِضُ عَلَيْهَا
وَلَا يُعَارِضُهَا بِرَأْيِهِ وَمَعْقُولِهِ وَقِيَاسِهِ ، رَوَى الْبُخَارِيُّ
عَنِ الْإِمَامِ مُحَمَّدِ بْنِ شِهَابٍ الزُّهْرِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّهُ
قَالَ: مِنَ اللَّهِ الرِّسَالَةُ، وَمِنَ الرَّسُولِ الْبَلَاغُ، وَعَلَيْنَا
التَّسْلِيمُ. وَهَذَا كَلَامٌ جَامِعٌ نَافِعٌ ." انتهى .
ويقول الإمام أبو المظفر
السمعاني رحمه الله :
" واعلم أن الخطة الفاصلة بيننا وبين كل مخالف : أننا نجعل أصل مذهبنا الكتاب
والسنة ، ونستخرج ما نستخرج منهما ، ونبنى ما سواهما عليهما ، ولا نرى لأنفسنا
التسلط على أصول الشرع حتى نقيمها على ما يوافق رأينا وخواطرنا وهواجسنا ؛ بل نطلب
المعانى : فإن وجدناها على موافقة الأصول من الكتاب والسنة ، أخذنا بذلك ، وحمدنا
الله تعالى على ذلك ، وإن زاغ بنا زائغُ ضعْفِنا عن سواء صراط السنة ، ورأينا
أنفسنا قد ركبت البُنَيّات وتركت الجُدُد ، اتهمنا آراءنا ، فرجعنا باللائمة على
نفوسنا ، واعترفنا بالعجز ، وأمسكنا عنان العقل ، لئلا يتورط بنا في المهالك
والمهاوي ، ولا يعرضنا للمعاطب والمتالف ، وسلمنا للكتاب والسنة ، وأعطينا المقادة
، وطلبنا السلامة ، وعرفنا أن قول سلفنا حق : أن الإسلام قنطرة لا تعبر إلا
بالتسليم .." .
انتهى من " قواطع الأدلة في أصول الفقه " (2/4